بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له أحكم الحاكمين وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله سيّد القضاة وأشرف المعلمين اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه المجتهدين والمجاهدين وسائر الدعاة إلى تطبيق شرع الله المخلصين.
أمّا بعد ؛
فهذه فصول في الأدلّة الشرعيّة على فريضة إقامة الدولة المسلمة بما فيها من نصب القضاة والحاكمين كما قد جرى ذلك في العصور الإسلامية الأولى بل في عصور الملوك المتأخّرين وأثّر في قرارات ومواقف دول الكفّار المستعمرين على بلاد المسلمين كبلدتنا إندونيسيا فإنّ هولاندا المستعمرة لم تزل تنصّب لنا قاضيا ونوّابا عنه في مناطق بلدتنا يحكمون بالأحكام الشرعيّة في أمور النكاح والمواريث ومحاكمة الأشخاص والجماعة الذين يفسدون في الأرض من المبتدعين الملحدين وقطـّاع الطريق المحاربين حتى جاء (Snouck Hourgronje) فابتدع للمستعمرين أحكام العادة مهيمنة متسلـّطة على أحكام الشرع فجاءت قوانينهم الطاغوتية باقية إلى عصرنا هذا فلا حول ولا قوّة إلا بالله.
فوجب على أعيان المسلمين وأكابر رؤسائهم ونوّابهم الجالسين في البرلمان تغيير هذه المنكرات وإبدال تلك القوانين الهولاندية بالقوانين المطابقة للشريعة الإسلامية مثـل أحكام الحدود في الجنايات سواء كانت منصوصا عليها كرجم الزاني المحصن والمحصنة وجلد الزاني البكر وإقامة القصاص على القاتل العامد الكفء ونحو ذلك أو غير منصوص عليها كقتل موزّعي وبياعي أوراق …. المخدّرات والتنكيل الشديد بالتأديبات البدنية والمالية على المهرّبين والمحتكرين والخائنين في أموال الدولة فإنّهم بلا شكّ من المفسدين في الأرض ومثل الأحكام المدنية كحرمة الربا وعقود الغرر والتدليس وسائر المعاملات الفاسدة شرعا وحرمة بيع الأشرطة المحتوية على الصور الجنسية الدنيئة والأفكار والحزبيات الضالّة الهدّامة لقيم الدين والأخلاق والإنسانية. فمصانع هذه الأشرطة والمخدّرات والمسكرات يجب أن تحرق ودكاكينها يلزم أن تغلق وأمتعتها تصادر ثم تحرق وأصحابها وموزّعوها يحبسون أطول الحبس وأشدّه بلا تخفيف ولا هوادة لأنّهم قتّالو البشر والبشرية أعداء الأديان السماوية. والله وليّ التوفيق وعليه التكلان.
الحكومة المسلمة
يفترض الإسلام الحنيف الحكومة قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي الذي جاء به للناس، فهو لا يقرّ الفوضى، ولا يدع الجماعة المسلمة بغير إمام، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: «إذا نزلتَ ببلد وليس فيه سلطان فارحل عنه»، كما قال في حديث آخر لبعض أصحابه: «وإذا كنتم ثلاثة فأمّروا عليكم رجلا».
دعائم الحكومة المسلمة
إنّ الدولة في الإسلام تقوم على:
1. رئيس يختاره الشعب بمحض إرادته وأمرهم شورى بينهم [الشورى: 38]، «من بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه».
2. جهاز حكوميّ ينتقى فيه الأكفاء، من غير نظر إلى اعتبار آخر «من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمّر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله» [الحاكم]، «من استعمل رجلا من عصابة (جماعة) وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين» [الحاكم].
3. قوانين مدنية وضع الإسلام قواعدها ومبادئها العامّة، وترك للمتشرعين الاجتهاد في تفاصيلها بما يحقّق المصلحة العامّة.
4. قضاء إسلامي مستقلّ عن أية سلطة في الدولة، يساوي بين رئيس الدولة وسائر أبناء الشعب كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الولدين والأقربين [النساء: 135]. وتاريخ القضاء في الإسلام من أروع ما سجّل في استقلال القضاء ونفاذ سلطانه على الأمراء الأغنياء وعامّة الشعب بلا تحيّز ولا محاباة.
5. جيش قويّ يرهب الأعداء ويصدّهم عن العدوان وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم [الأنفال: 60]، ويحرس الأمن ويصون السيادة ويحمي الحرّية الفكريّة الغير الملحدة والدينيّة السماوية في الداخل والخارج وقتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله [البقرة: 193]، ويحرّر الضعفاء والمستعبدين من أسر الطغيان والظلم ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليّا واجعل لنا من لدنك نصيرا [النساء: 75].
6. جماعة من أبناء الشعب يسهرون على تطبيق القوانين وتحقيق مصالح الشعب ودفع الأذى عنه أو أذى بعض أفراده على بعض ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [آل عمران: 104].
القضاء الإسلامي والحكم بما أنزل الله
والله يقضي بالحقّ [غافر: 20].
إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما [النساء: 105].
وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إنّ الله يحبّ المقسطين [المائدة: 42].
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك [المائدة: 49].
إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نعمّا يعظكم به إنّ الله كان سميعا بصيرا [النساء: 58].
يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيّا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ الله كان بما تعملون خبيرا [النساء: 135].
الجهاز القضائي: مستقلّ استقلالا تامّا ولا يتقيّد إلاّ بالكتاب والسنّة وما يصدره مجلس الشورى من تشريعات، ويتساوى أمامه سائر الأفراد المقيمين في الوطن الإسلامي الحاكم منهم والمحكوم، سواء من حيث إقامة الدعوى أو الإجراءات أو تطبيق النصوص وتحرّي العدالة أو في التنفيذ – وذلك مبنيّ على مطلق قول الله عزّ وجلّ: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [النساء: 58]، وعلى ما قاله رسول الله T بعد أن ذهب إليه أسامه يستشفعه في إقامة الحدّ على المخزوميّة السارقة: «أتشفع في حدّ من حدود الله ؟» ثمّ قام فخطب الناس قائلا: «يا أيّها الناس إنّما أهلك من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ. وايْمُ الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمدّ يدها» [البخاري].
وقد جرى العمل في التاريخ الإسلامي على محاكمة الخلفاء والملوك والولاة أمام القضاء العادي وبالطريق العادي، فهذا هو عليّ بن أبي طالب في خلافته يفقد درعا له ويجدها مع يهوديّ يدّعي ملكيّتها فيرفع أمره إلى القاضي فيحكم لصالح اليهودي ضدّ عليّ. وهذا هو المغيرة بن شعبة والي الكوفة يتّهم بالزنا فيحاكم على الجريمة المنسوبة إليه بالطريق العادي. ويقصّ علينا التاريخ أنّ المأمون وهو خليفة المسلمين اختصم مع رجل بين يدي يحيى بن أكثم قاضي بغداد، فدخل المأمون إلى مجلس يحيى وخلفه خادم يحمل طنفسة لجلوس الخليفة، فرفض يحيى أن يميّز الخليفة على أحد أفراد رعيته. وقال: يا أمير المؤمنين لا تأخذ على صاحبك شرف المجلس دونه. فاستحيا المأمون ودعا للرجل بطنفسة أخرى، وبعض الخصومات التي كانت تثور بين الخليفة والولاة وبين الأفراد كانت تفضّ بطريق شرعيّ بحت «هو التحكيم»، كما فعل عمر بن الخطّاب، فقد أخذ فرسا من رجل على سوم فحمل عليه فعطب فخاصم الرجل عمر فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلا، فقال الرجل: إنّي أرضى بشريح العراقيّ، فقال شريح لعمر: أخذته صحيحا سليما فأنت له ضامن حتّى تردّه صحيحا سليما. وكان هذا الحكم الذي صدر ضدّ عمر هو الذي حفز عمر لتعيين شريح قاضيا.
قال رسول الله T: «القضاة ثلاثة: فقاضيان في النار وقاض في الجنّة: فأمّا الذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به فهو في الجنّة. ورجل عرف الحقّ فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحقّ فيقضي بين الناس على جهل فهو في النار» [أبو داود والطحاوي].
«إنّ الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تخلّى عنه ولزمه الشيطان» [الترمذي].
«لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» [مسلم].
«إذا جلس إليك الخصمان فلا تكلّم حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل» [أحمد].
«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» [البخاري].
«لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى رجال أموال الناس ودماءهم، لكنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» [البيهقي].
«إنّ النبيّ T قضى بيمين وشاهد» [مسلم].
عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أنّ امرأة من جهينة أتت النبي T وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا رسول الله أصبت حدّا فأقمه عليّ. فدعا رسول الله T وليّها فقال: «أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها» ففعل، فأمر بها النبيّ T فشدّت عليها ثيابها، ثمّ أمر بها فرجمت ثم صلى عليها . [رواه مسلم].
وعن عائشة رضي الله عنها أنّ قريشا أهمّهم شأن المرأة المخزوميّة التي سرقت فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله T؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حبّ رسول الله T فكلمه أسامة فقال رسول الله T: «أتشفع في حدّ من حدود الله تعالى؟» ثمّ قام فاختطب ثمّ قال: «إنّما أهلك الذين قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، وأيم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها». [متّفق عليه]. وفي رواية: فتلوّن وجه رسول الله T فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله!؟» قال أسامة: استغفر لي يارسول الله. قال: ثمّ أمر بتلك المرأة فقطعت يدها.
وعن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله T قال: ((إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحقّ أخيه فإنّما أقطع له قطعة من النار)). [متفق عليه] " ألحن أي أعلم ".
حديث معاذ لما بعثه رسول الله T إلى اليمن فقال له: ((بما تقضي ؟)) قال: بكتاب الله. قال: ((فإن لم تجد ؟)) قال: فبسنّة رسول الله. قال: ((فإن لم تجد ؟)) قال: فأرى برأيي ولا آلو. قال: ((الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)). [أبو داود والترمذي].
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله T: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)) وفي لفظ : ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ)) [البخاري ومسلم وأبو داود و ابن ماجه].
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله T فقالت: يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ إلاّ ما أخذت من ماله بغير علمه فهل عليّ من ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله T: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)) [البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله T يقول: ((من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه، ومن لم يستعن عليه أنزل الله ملكا يسدّده)) [أبو داود]
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي T: ((لن نستعمل أو لا نستعمل على عملنا من أراده)). [أبو داود].
عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله T سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال: ((ألا إنّما أنا بشر وإنّما يأتيني الخصم فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنّه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من النار فليحملها أويذرها)). [البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد].
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبد الله ابن أبي بكرة وهو قاض بسجستان: لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان فإنّي سمعت رسول الله يقول T: ((لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)) وفي رواية: ((لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان)) [البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد].
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله T: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا)) ؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ((الإشراك بالله وعقوق الوالدين)) وكان متـّكئا فجلس فقال: ((ألا وقول الزور وشهادة الزور)) فما زال يكرّرها حتى قلنا ليته سكت. [البخاري ومسلم والترمذي وأحمد].
عن عبد الله بن عمرو: أنّ النبيّ T قال: ((لا يحلّ لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلاّ أمّروا عليهم أحدهم)) [أحمد بن حنبل].
عن أبي سعيد أنّ رسول الله T قال: ((إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا عليهم أحدهم)). [أبو داود].
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله T: ((لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم)) [أبو داود والترمذي وأحمد]
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّ رسول الله قال: ((يا عليّ إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل فإنّك إذا فعلت ذلك تبيّن لك القضاء)) [أبو داود والترمذي وأحمد].
عن أبي بكرة قال: لمّا بلغ رسول الله T أنّ أهل فارس ملــّكوا عليهم بنت كسرى قال: ((لن يفلح قوم ولـّوا أمرهم امرأة)) [البخاري والنسائي والترمذي وأحمد].
واتّفق العلماء على اشتراط الذكورة في القضاء وذهب الحنفيّة إلى جواز تولية المرأة الأحكام إلاّ في الحدود فلا. وذهب ابن جرير إلى الجواز مطلقا ويؤيّد ما قاله الجمهور: أنّ القضاء يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولاسيما في محافل الرجال ولاسيما في زماننا هذا فقد خرجت النسوة عن الأدب والحياء والتمسّك بآداب الشريعة الكاملة واتـّخذن التهتـّك والخلاعة والتبرّج شعارا وقد أظهرن ضروبا وأنواعا كثيرة من الفسق ككشف العورة وإبداء الزينة لغير محارمهنّ فخارا لهنّ والاختلاط بأرباب الفجور في أمكنة الملاهي والسرور والقهاوي والبارّات ومع ذلك كلـّه لا تجد أحدا من الأمراء والعلماء يستقبح ذلك وينهى عنه لا في حاله ولا مقاله. وكان الأجدر بولاة الأمور أن يجعلوا لذلك حدّا ويضربوا على أيدي المتهتـّكات المتبرّجات في الشوارع والأسواق بسوط من حديد. نسأل الله السلامة.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنـّه قال: إنّ اليهود جاءوا إلى رسول الله T فذكروا له أنّ امرأة منهم ورجلا زنيا فقال لهم رسول الله T: ((ماتجدون في التوراة في شأن الرجم ؟)) فقالوا: نفضحهم ويجلدون)) قال عبدالله بن سلام: كذبتم إنّ فيها آية الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يداه على آية الرجم فقرأ ما قبلها ومابعدها فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقال: صدق يا محمّد فأمر بهما النبيّ T فرجما. قال: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة: قال رضي الله عنه الذي وضع يده على آية الرجم عبدالله بن صوريا.[البخاري ومسلم وأحمد].
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله T: ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) ونزلت:  إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . [البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه].
آيات محكمات صريحة
إنّ آيات سورة المائدة – التي دمغت من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر والظلم والفسوق – آيات محكمة صريحة الدلالة على موضوعها. ولا بأس بأن نسوق هذه الفقرة التي اشتملت على تلك الآيات من كتاب الله – كاملة، ليتأمّلها كلّ من كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.
يقول تعالى:  إنّا أنزلنا التوريــة فيها هدى ونور يحكم بها النبيّون الذين أسلموا للذين هادوا والربّـنيّون والأحبار بما استحفظوا من كتـب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولـئك هم الكـفرون  وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص فمن تصدّق به فهو كفّارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولـئك هم الظالمون  وقفّينا على ءاثـرهم بعيسى ا بن مريم مصدّقا لما بين يديه من التوريـة وءاتينـه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدّقا لما بين يديه من التوريــة وهدى وموعظة للمتّقين  وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولـئك هم الفـسقون.  [المائدة: 44 –47]
أقوال المفسرين في هذه الآيات:
وللمفسرين من السلف في هذه الآيات أقوال: فمنهم من قال: هي كلها في أهل الكتاب من اليهود والنصارى. ومنهم من قال: الآية الأولى – يقصد  ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكـفرون  [المائدة: 44] – في المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى. ومنهم من قال: نزلت فى أهل الكتاب، وهى مراد بها جميع الناس مسلموهم وكفارهم.
روى الطبرى عن إبراهيم النخعى قال: نزلت هذه الآيات في بنى إسرائيل، ورضي لهذه الأمة بها. وعن الحسن: نزلت في اليهود، وهى علينا واجية.
وسئل ابن مسعود عن الرشوة في الحكم فقال: ذاك الكفر، ثم تلا :  ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكـفرون  [المائدة: 44] وعن السدى أيضا ما يدل على العموم.
وعن ابن عباس أيضا ما يفيد العموم، وذلك حين سئل عن كفر من لم يحكم بما أنزل الله، فقال: إذا فعل ذلك فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، وبكذا، وكذا. ومثله قول طاوس: ليس بكفر ينقل عن الملة. وقول عطاء: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وهو أيضا مروي عن ابن عباس نفسه، رواه عنه سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبى حاتم، والحاكم وصححه البيهقي في سننه. ومثله عن علي بن الحسين، زين العابدين.
وفى رواية أخرى عن ابن عباس فرق بين نوعين من الحكام، فقال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق.
قال تعالى:  وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتـّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولـوا فاعلم أنّما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإنّ كثيرا من الناس لفـسقون  [المائدة: 49].
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمّد لعلـّنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا: يا محمّد إنّك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن لك ونصدّقك فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية إلى قوله تعالى:  أ فحكم الجـهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون  [المائدة: 50] رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
قال تعالى:  أ فحكم الجهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون  [المائدة: 50] قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كلّ خير الناهي عن كلّ شرّ وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسة الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرّد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدّمونه على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير. اهـ ابن كثيرج 2 ص 67.
أقول: إن المبادئ الخمسة المسمّاة بفانجاسيلا التي هي أساس حكومتنا إندونيسيا شبيهة بقوانين الياسق المذكورة لأنـّها خليطة بين المبادئ الدينية والديموقراطية والاشتراكية والقومية التي لا تقرّ برسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وتأبى ذكر كلمة الله بالتسبيح والتقديس والتوحيد الصريح ونفي الشركاء عنه تعالى.
وقال تعالى:  ثم جعلنـك على شريعة من الأمر فاتـّبعها ولا تتـّبع أهواء الذين لا يعلمون  [الجاثية: 18].
وقال تعالى:  ألم تر إلى الذين يزعمون أنـّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطـغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطـن أن يضلـّهم ضلـلا بعيدا  وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنـفقين يصدّون عنك صدودا  فكيف إذا أصـبتهم مصيبة بما قدّمت أيديهم ثمّ جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلاّ إحسـنا وتوفيقا  أولـئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا  وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله ولو أنـّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّابا رحيما  فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكـّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلـّموا تسليما  [النساء: 60-65].
وقال تعالى:  ويقولون آمنـّا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولـّى فريق منهم من بعد ذلك وما أولـئك بالمؤمنين  واذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون  وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين  أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولـئك هم الظالمون  إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولـئك هم المفلحون  [النور: 47-51].
وقال تعالى:  وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلـلا مبينا  [الأحزاب: 36].

الردّ على الذين يفتخرون بالديموقراطيّة القائلين إنّ الحكم بها هو العدل حيث أنـّها تعمل برأي الأكثريّة
أوّلا:
الأكثريّة من الناس بصفة عامّة دائما منحرفة عن الصراط المستقيم وقد أخبر الله عزّ وجلّ بذلك في كتابه العزيز. قال تبارك وتعالى  وإن تطع أكثر من في الأرض يضلـوك عن سبيل الله  [سورة الأنعام: 116]. وقال تعالى:  بل جاءهم بالحقّ وأكثرهم للحقّ كـرهون  [سورة المؤمنين: 70]. وقال تعالى:  وما أرسلنـك إلاّ كافّة للناس بشيرا ونذيرا ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون  [سبأ: 27]. وقال تعالى:  وإنّ ربّك لذو فضل على الناس ولكنّ أكثرهم لا يشكرون  [النمل: 73]. وقال تعالى:  المر تلك ءايت الكتب والذي أنزل إليك من ربّك الحقّ ولكنّ أكثر الناس لايؤمنون  [الرعد: 1].
ثانيا:
ما هو الدليل الشرعيّ على وجوب أو جواز تحكيم الأكثريّة في أمور المسلمين والعمل برأيها ؟ إنّ العمل برأي الأكثريّة العامّة وتحكيمها في شئون المسلمين لااعتماد فيه على نصّ شرعيّ ولم يكن من عمل السلف بل هو من الأعمال التي استوردها المسلمون من البلاد الأخرى بواسطة المثقـّفين العصريّين من المسلمين وروّجوها في البلاد الإسلاميّة كما استوردوا وروّجوا غيرها من الأفكار والأعمال المخالفة للإسلام.
بل كان السلف رضي الله تعالى عنهم يحكـّمون النصوص الشرعيّة ولامجال للرأي مع النصوص ويعملون برأي الفقهاء المتـّبعين فيما لم يتـّضح لهم فيه نصّ وإنّما كانوا يسألون الخبراء بالأشياء ليتصوّروها فيطبّقوا فيها الأحكام المترتـّبة على حالتها ولاتدخل للخبراء في الأحكام.
ثالثا:
هذه الديموقراطيّة التي يفتخر بها المثقـّفون العصريّون ويطبّقونها في الأحكام الشرعيّة إذا كانت صالحة وكان الصواب دائما مع الأكثريّة العامّة كمايزعمون، فلم لايطبّقونها في المجالات الأخرى المجالات الصحّية والاقتصاديّة والهندسيّة وغيرها من المجالات ؟.
هل يصلح أن يعمل برأي الأكثريّة العامّة من الناس في علاج مريض أو صناعة آلات ؟.
وإذا كان لايعتبر في هذا المجال إلاّ رأي الأطبّاء والمهندسين فالأحكام الشرعيّة أحرى أن لاتعتبر فيها إلاّ فتاوى وآراء الفقهاء في الدين ولايعتبر في وسائل التوجيهات الإسلاميّة إلاّ فتاوى وآراء الفقهاء في الدين المعروفين بالاتباع المأمونين على أنفسسهم وعلى المسلمين. ونفي صلاحيّة العمل برأي الأكثريّة العامّة لاينافي اعتبار الأكثريّة الخاصّة، فهي معتبرة ولها قيمة ولكن في حدود.
فرأي أكثريّة الأطبّاء مرجّح على رأي أقلـّيتهم ولكن رأي طبيب واحد في مجال الصحّة مرجّح على رأي ألف غير الأطبّاء. ورأي أكثريّة المهندسين مرجّح على رأي أقلـّيتهم ولكن رأي مهندس واحد في مجال الهندسة مرجّح على رأي ألف من غير المهندسين. ورأي أكثريّة الفقهاء مرجّح على رأي أقلـّيتهم في مجال الشريعة وبالأحرى أن يكون رأي الفقيه الواحد مرجّحا على رأي مائة من غير الفقهاء.
فلا اعتبار لرأي العامّة في الأحكام الشرعيّة. والعلماء الفقهاء المعنيّون هنا هم العلماء الحقيقيون الذين تعلـّموا العلم للتفقّه في الدين كغاية. ولا أعني المنتسبين للعلم بشهاداتهم العالية ولاالمنتسبين له بوظائفهم الإسلاميّة الممتازة. فهؤلاء إن لم يكونوا فقهاء ومتعلـّمين بالطرق الصحيحة للتفقّه فليسوا من العلماء. والشهادات والوظائف ليست بعلم، إنّماهي شهادات ووظائف ولااعتبار لأكثريّة هؤلاء ولا للأكثريّة بهم.

فضل العلوم الشرعيّة على العلوم الأخرى
ويجب هنا أن أبيّن الفرق بين العلوم الشرعيّة والعلوم الأخرى من حيث اعتبار الأكثريّة من العلماء والأكثريّة من الخبراء. إن العلوم الشرعيّة التي لاوسيلة لمعرفتها سوى التعليم هي وحي من الله عزّ وجلّ وبيان وتوجيه من رسول الله T وهو حقّ وقطعيّ لا يخشى من الخطأ فيه ولامن الغلظ ولامن عدم صلاحيّته.
وإنّما الخلافات بين العلماء في فهمهما في فهم المراد بهذه الآية وفي فهم المراد بهذا الحديث بينما العلوم الأخرى تجريبيّة فامّا أن يكون صاحبها خبيرا بها من تجربته هو كالطبيب الأوّل والمهندس الأوّل وامّا أن يكون قد قرأ تجارب الآخرين وطبّقها فهو يعتمد على تجربة غيره.

واجبات المسلمين تجاه الشرع الإسلاميّ
وعلى المثقّفين العصريّين أن يسألوا العلماء العاملين وأن لايتحرّجوا من ذلك وأن لا تحملهم شهاداتهم على الكلام فيما لا يعلمون. قال عزّ وجلّ:  ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولـئك كان عنه مسئولا  [الإسراء: 36].
وعلى عامّة المسلمين أن يعتمدوا على العلماء المعروفين بالعلم والاستقامة وأن لايعتمدوا على الآراء الجديدة التي يروجها العصريّون وأن يطلبوا الأحكام في الكتب القديمة السالمة من الفلسفات الضالـّة والأفكار السامّة وأن لايعتبروا أكثريّة الناس مقياسا للحقّ والعدالة.
فالعدل هو الحكم بكتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسوله T وتطبيق خلفائه الراشدين. قال الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز:  إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمنت إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نعمّا يعظكم به إنّ الله كان سميعا بصيرا . يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنـزعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا  [النساء: 58-59].
فالله عزّ وجلّ يأمرنا في هذه الآيات الكريمة أن نحكم في جميع نزاعاتنا كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسوله ويأمر حكـّامنا أن يحكموا في جميع النزاعات بالعدل. ويأمرنا أن نطيعهم في جميع ما أمروا به من معروف كما بيّن الرسول T.
فما هو العدل ؟ وما هو الحكم بالعدل ؟ العدل هو شريعة الله عزّ وجلّ هو تحكيم كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسوله T المبينة له. والحكم بكتاب الله وسنّة رسوله T هو الحكم بالعدل. فالأساس للعدل هو تحكيم الشريعة الإسلاميّة أوّلا. وذلك هو ما أمر الله عزّ وجلّ به في قوله:  فإن تنزعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول  [النساء: 59]. والحكم بالشريعة الإسلاميّة هو الحكم بالعدل وذلك هو ما أمر الله عزّ وجلّ به في قوله:  وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل  [النساء:58].
ولا يمكن أن يحكم بالعدل مع تحكيم غير الشريعة الإسلاميّة فلو حكم الحاكم المسلم بحكم مبنيّ على غير الشريعة الإسلاميّة لايكون حكمه عدلا أبدا حتى ولو وافق الشريعة الإسلاميّة مادام لم يحكمها ولم ينو بها، فخطأ الحاكم المحكـّم للشريعة الإسلاميّة في حكمه خير من موافقة أحكام الذين يحكمون غير الشريعة الإسلاميّة لأنّ التحكيم أوّلا هو الأساس لصحّة الحكم وعدالته فيجب علينا أن نردّ جميع نزاعاتنا إلى الله ورسوله وأن لايكون في أنفسنا حرج ممّا قضى الله ورسوله وأن نسلـّم لذلك تسليما. قال تبارك وتعالى:  فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكـّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلـّموا تسليما  [النساء: 65]. فيجب على الدعاة أن يدعوا الناس دائما إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. قال عزّ وجلّ:  ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة  [النحل: 125].
وليست الحكمة والموعظة الحسنة اتـّباع رغبات الناس بل هي الدعوة كما كان رسول الله T يدعو الناس إلى سبيل الله وكما كان خلفاؤه الراشدون يدعون إلى سبيل الله. فمن أراد أن يدعو إلى سبيل الله عزّ وجلّ بالحكمة والموعظة الحسنة فليدع كما دعا الرسول T وخلفاءه فليستعمل الوسائل التي كانوا يستعملونها والأساليب التي يدعون بها فهم أعلم بالحكمة والموعظة الحسنة وأحرص على استعمالها من غيرهم.
فما هو واجب المسئولين أولي الأمر ؟ وما هو واجب العلماء الدعاة ؟. يجب على ولاة المسلمين أن يطبّقوا أحكام الله عزّ وجلّ امتثالا لأوامر الله عزّ وجلّ ورسوله T لاتلبية لرغبات الجماهير فلاحكم للجماهير ولاحكم للأكثريّة. إن الحكم إلاّ لله عزّ وجلّ.
يجب عليهم أن يجبروا الناس على الاستقامة وأن يطبّقوا أحكام الله على المخالفين وأن يشجّعوا المستقيمين ويساعدوا العلماء علىالدعوة إلى الله عزّ وجلّ ويجب على العلماء أن يساعدوا المسئولين على آداء واجباتهم بالنصح. وأن ينصحوا المجتمع بإظهار الحقّ في جميع الميادين. فالدعاة إلى الباطل يقفون أمام عشرات الآلاف من المسلمين ويعلنون باطلهم بدون احتشام وبدون خوف والعلماء أحقّ بالأمن من دعاة الباطل.
قال الله عزوجل في كتابه العزيز حكاية لحجته التي آتاها إبراهيم عليه السلام عندما حاجّه قومه:  وحاجّه قومه قال أتحـجّونّي في الله وقد هديـن ولاأخاف ماتشركون به إلا أن يشاء ربّي شيئا وسع ربّي كلّ شيء علما أفلا تتذكّرون  وكيف أخاف ما أشركتم ولاتخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزّل به عليكم سلطنا فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون  الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمنهم بظلم أولـئك لهم الأمن وهم مهتدون  وتلك حجّتنا ءاتينها إبراهيم على قومه نرفع درجت من نشاء إنّ ربّك حكيم عليم  [الأنعام: 80-83].
وفقنا الله وإياكم لطاعته وختم لنا ولكم بالإيمان اللهمّ أصلح عبادك وتداركهم باللطف في كلّ مالايرضيك ووفّقهم للعمل بشريعتك واقتفاء أثر أنبياءك ورسلك وانصرهم على أعدائك إنّك أرحم بهم واشفق ياربّ العالمين.

0 komentar: